فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فجاءت بالأم فقبل ثديها فذلك قوله تعالى: {فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها} أي بلقائك ورؤيتك {ولا تحزن} أي وليذهب عنها الحزن {وقتلت نفسًا}.
قال ابن عباس: كان قتل قبطيًا كافرًا قيل كان عمره إذ ذاك اثنتي عشر سنة {فنجيناك من الغم} أي من غم القتل وكربه {وفتناك فتونًا} قال ابن عباس: اختبرناك اختبارًا وقيل ابتليناك ابتلاء، قال ابن عباس: الفتون وقوعه في محنة بعد محنة وخلصه الله تعالى، منها أولها أن أمه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال، ثم إلقاؤه في البحر في التابوت، ثم منعه من الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم أخذه بلحية فرعون حتى هم قتله، ثم ناوله الجمرة بدل الجوهرة، ثم قتله القبطي وخروجه إلى مدين خائفًا {فلبثت} أي مكثت {سنين في أهل مدين} هي بلدة شعيب على ثمان مراحل من مصر، هرب إليها موسى قال وهب: لبث موسى عند شعيب.
ثمانيًا وعشرين سنة عشر سنين منها يرعى الغنم مهر زوجته صفوراء ابنة شعيب وثمان عشرة سنة أقام عنده بعد ذلك حتى ولد له وخرج من مصر ابن اثنتي عشرة سنة هاربًا {ثم جئت على قدر يا موسى} أي جئت على القدر الذي قدرت أن تجيء فيه.
قيل على رأس أربعين سنة وهو القدر الذي يوحى إلى الأنبياء فيه.
{واصطنعتك لنفسي} اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي لتتصرف على إرادتي ومحبتي.
وذلك أن قيامه بأداء الرسالة تصرف على إرادة الله ومحبته.
وقيل معناه اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي كأني الذي أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم {اذهب أنت وأخوك بآياتي} أي بدلائلي.
قال ابن عباس: يعني الآيات التسع الذي بعث بها موسى عليه السلام {ولا تنيًا} أي لا تضعفا وقيل لا تفترًا ولا تقصرًا {في ذكري} أي لا تقصرًا في ذكري بالإحسان إليكما والإنعام عليكما ومن ذكر النعمة شكرها {اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولًا لينًا} أي دارياه وارفقا به.
قال ابن عباس: لا تعنفا في قولكما، وقيل كنياه فقولا له يا أبا العباس وقيل يا أبا الوليد وقيل أراد بالقول اللين قوله: {هل لك إلى أن تزكى} وقيل الآية إنما أمرهما باللطافة لما له من حق تربية موسى، وقيل عداه على قبول الإيمان شبابًا لا يهرم وملكًا لا ينزع منه إلا بالموت وتبقى عليه لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته، وإذا مات دخل الجنة فلما أتاه موسى ووعده بذلك أعجبه وكان لا يقطع أمرًا دون هامان وكان غائبًا فلما قدم أخبره بالذي دعاه إليه موسى وقال أردت أن أقبل منه فقال له هامان كنت أرى أن لك عقلًا ورأيًا، أنت رب تريد أن تكون مربوبًا، وأنت تعبد تريد أن تعبد، فقال فرعون صواب ما قلت فغلبه على رأيه.
وكان هارون بمصر فأمر الله موسى أن يأتي هارون وأوحى الله إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى فتلقاه إلى مرحلة وأخبره بما أوحي إليه.
وقوله تعالى: {لعله يتذكر أو يخشى} أي يتعظ ويخاف ويسلم فإن قلت كيف قال لعله يتذكر وقد سبق في علمه أنه لا يتذكر ولا يسلم.
قلت معناه اذهبا على رجاء منكما وطمع وقضاء الله وراء أمركما، وقيل هو إلزام الحجة وقطع المعذرة كقوله تعالى: {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولًا فنتبع آياتك} وقيل هو ينصرف إلى غير فرعون مجازه لعله يتذكر متذكرًا ويخشى خاش إذا رأى بري وإلطافي بمن خلقته وأنعمت عليه ثم ادعى الربوبية، وقيل لعل من الله واجب ولقد تذكر فرعون وخشي حين لم تنفعه الذكرى والخشية وذلك حين ألجمه الغرق وقرأ رجل عند يحيى بن معاذ الرازي {فقولا له قولًا لينًا} الآية فبكى يحيى وقال إلهي هذا رفقك بمن يقول أنا الإله فيكف رفقك بمن يقول أنت الإله {قالا} يعني موسى وهارون {ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا}.
قال ابن عباس: يعجل علينا بالقتل والعقوبة {أو أن يطغى} أي يجاوز الحد في الإساءة إلينا {قال} الله تعالى {لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} قال ابن عباس: أسمع دعاءكما فأجيبه وأرى ما يراد بكما فأمنع لست بغافل عنكما فلا تهتما {فأتياه فقولا إنا رسولا ربك} أي أرسلنا إليك ربك {فأرسل معنا بني إسرائيل} أي خل عنهم وأطلقهم من أعمالك {ولا تعذبهم} أي لا تتعبهم في العمل، وكان فرعون يستعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء وقطع الصخور مع قتل الولدان وغير ذلك {قد جئناك بآية من ربك} قال فرعون وما هي فأخرج موسى يده لها شعاع كشعاع الشمس، وقيل معناه قد جئناك بمعجزة وبرهان يدل على صدقنا على ما ادعيناه من الرسالة {والسلام على من اتبع الهدى} ليس المراد منه سلام التحية بل إنما معناه سلم من العذاب من أسلم {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى} أي إنما يعذب الله من كذب بما جئنا به وأعرض عنه.
{قال} يعني فرعون {فمن ربكما يا موسى} أي فمن إلهكما الذي أرسلكما {قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} أي كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به، وقيل أعطى كل شيء صلاحه وهداه، وقيل أعطى كل شيء صورته فخلق اليد للبطش والرجل للمشي واللسان للنطق والعين للنظر والأذن للسمع ثم هداه إلى منافعه من المطعم والمشرب والمنكح، وقيل يعني جعل زوجة الرجل المرأة والبعير الناقة والفرس الرمكة وهي الحجرة والحمار الأتان ثم هدى ألهمه كيف يأتي الذكر الأنثى {قال} يعني فرعون {فما بال القرون الأولى} أي فما حال القرون الماضية والأمم الخالية مثل قوم نوح وعاد وثمود فإنها كانت تعبد الأوثان وتنكر البعث، وإنما قال فرعون ذلك لموسى حين خوفهم مصارع الأمم الخالية فحينئذٍ قال فرعون فما بال القرون الأولى {قال} يعني موسى {علمها عند ربي} أي أعمالهم محفوظة عند الله يجازي بها، وقيل إنما رد على موسى علم ذلك إلى الله تعالى لأنه لم يعلم ذلك لأن التوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون وقومه {في كتاب} يعني اللوح المحفوظ {لا يضل ربي} أي لا يخطىء وقيل لا يغيب عنه شيء {ولا ينسى} أي فيتذكر وقيل لا ينسى ما كان من أعمالهم حتى يجازيهم بها {الذي جعل لكم الأرض مهدًا} أي فراشًا وقيل مهدها لكم {وسلك لكم فيها سبلًا} أي أدخل في الأرض لأجلكم طرقًا وسهلها لكم لتسلكوها {وأنزل من السماء ماء} يعني المطر ثم الأخبار عن موسى ثم قال الله تعالى {فأخرجنا به} أي بذلك الماء {أزواجًا} أي أصنافًا {من نبات شتى} أي مختلف الألوان والطعوم والمنافع فمنها ما هو للناس ومنها ما هو للدواب {كلوا وارعوا أنعامكم} أي أخرجنا أصناف النبات للانتفاع بالأكل والرعي {إن في ذلك} أي الذي ذكر {لآيات لأولي النهى} أي لذوي العقول، قيل هم الذين ينتهون عما حرم الله عليهم {منها خلقناكم} أي من الأرض خلقنا آدم، وقيل إن الملك ينطلق فيأخذ من التراب الذي يدفن فيه فيذره في النطفة فيخلق من التراب ومن النطفة {وفيها نعيدكم} أي عند الموت والدفن {ومنها نخرجكم تارة أخرى} أي يوم القيامة للبعث والحساب. اهـ.

.قال ابن جزي:

قيل في {طه}: إنه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: معناه يا رجل، وانظر الكلام على حروف الهجاء في سورة البقرة: {مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى} قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الصلاة حتى تورّمت قدماه، فنزلت الآية تخفيفًا عنه، فالشقاء على هذا إفراط التعب في العبادة، وقيل: المراد به التأسف على كفر الكفار، واللفظ عام في ذلك كله، والمعنى أنه نفى عنه جميع أنواع الشقاء في الدنيا والآخرة، لأنه أنزل عليه القرآن الذي هو سبب السعادة.
{إِلاَّ تَذْكِرَةً} نصب على الاستثناء المنقطع، وأجاز ابن عطية أن يكون بدلًا من موضع {لتشقى} إذ هو في موضع مفعول من أجله، ومنع ذلك الزمخشري لاختلاف الجنسين، ويصح أن ينتصب بفعل مضمر تقديره أنزلناه تذكرة.
{تَنزِيلًا} نصب على المصدرية، والعامل فيه مضمر وما أنزلنا وبدأ السورة بلفظ المتكلم في قوله، ما أنزلنا ثم رجع إلى الغيبة في قوله: {تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الأرض} الآية وذلك هو الالتفات {والسماوات العلى} جمع عُلْيا.
{عَلَى العرش استوى} تكلمنا عليه في [الأعراف: 53] {الثرى} هو في اللغة التراب النديّ، والمراد به هنا الأرض.
{وَإِن تَجْهَرْ} مطابقة هذا الشرط لجوابه كأنه يقول: إن جهرت أو أخفيت فإنه يعلم ذلك، لأنه يعلم السرّ وأخفى {يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى} السر الكلام الخفيّ، والأخفى ما في النفس، وقيل: السر ما في نفوس البشر، والأخفى ما انفرد الله بعلمه.
{الأسماء الحسنى} تكلمنا عليها في [الأعراف: 179].
{وَهَلْ أَتَاكَ} لفظ استفهام والمراد به التنبيه {إِذْ رَأَى} العامل في إذ حديث لأن فيه معنى الفعل، وكان من قصة موسى أنه رحل بأهله من مدين يريد مصر، فسار بالليل واحتاج إلى النار، فقدح بزناده فلم ينقدح، فرأى نارًا فقصد إليها فناداه الله، وأرسله إلى فرعون {إني آنَسْتُ نَارًا} أي رأيت {بِقَبَسٍ} هو الجذوة من النار تكون على رأس العود والقصبة ونحوها {بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النار هُدًى} يعني هدى إلى الطريق من دليل أو غيره.
{فاخلع نَعْلَيْكَ} قيل: إنما أمر بخلع نعليه، لأنهما كانتا من جلد حمار ميت، فأمر بخلع النجاسة، واختار ابن عطية أن يكون أمر بخلعهما ليتأدب، ويعظم البقعة المباركة ويتواضع في مقام مناجاة الله وهذا أحسن {بالواد المقدس} أي المطهر {طُوًى} في معناه قولان: أحدهما أنه اسم للوادي، وإعرابه على هذا بدل، ويجوز تنوينه على أنه مكان، وترك صرفه على أنه بقعة، والثاني: أن معناه مرتين، فإعرابه على هذا مصدر: أي قدس الوادي مرة بعد مرة، أو نودي موسى مرة بعد مرة.
{وَأَقِمِ الصلاة لذكري} قيل: المعنى لتذكرني فيها، وقيل: لأذكرك بها، فالمصدر على الأول مضاف للمفعول، وعلى الثاني مضاف للفاعل، وقيل: معنى لذكري: عند ذكري كقوله: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} [الإسراء: 178] أي عند دلوك الشمس، وهذا أرجح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استدل بالآية: على وجوب الصلاة على الناسي إذا ذكرها.
{أَكَادُ أُخْفِيهَا} اضطرب الناس في معناه، فقيل أخفيها بمعنى أظهرها، وأخفيت هذا من الأضداد.
وقال ابن عطية: هذا قول مختل، وذلك أن المعروف في اللغة أن يقال: أخفى بالألف من الإخفاء، وخفي بغير ألف بمعنى أظهر، فلو كان بمعنى الظهور لقال: أخفيها بفتح همزة المضارع، وقد قرئ بذلك من الشاذ، وقال الزمخشري: قد جاء في بعض اللغات أخفى بمعنى خفي: أي أظهر، فلا يكون هذا القول مختلًا على هذه اللغة، وقيل: أكاد بمعنى أريد، فالمعنى أريد أخفائها وقيل: إن المعنى إن الساعة آتية أكاد، وتم هنا الكلام بمعنى أكاد أنفذها لقربها، ثم استأنف الإخبار فقال أخفيها، وقيل: المعنى أكاد أخفيها عن نفسي فكيف عنكم، وهذه الأقوال ضعيفة، وإنما الصحيح أن المعنى أن الله أَبْهم وقت الساعة فلم يطلع عليه أحدًا، حتى أنه كاد أن يخفي وقوعها لإبهام وقتها، ولكنه لم يخفها إذا أخبر بوقوعها، فالأخفى على معناه المعروف في اللغة، وكاد على معناها من مقاربة الشيء دون وقوعه وهذا المعنى هو اختيار المحققين {لتجزى} يتعلق بآتية {بِمَا تسعى} أي بما تعمل.
{فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا} الضيمر للساعة: أي لا يصدنك عن الإيمان بها والاستعداد لها، وقيل الضمير للصلاة وهو بعيد، والخطاب لموسى عليه السلام، وقيل: لمحمد صلى الله عليه وسلم وذلك بعيد {فتردى} معناه تهلك، والردى هو الهلاك وهذا الفعل منصوب في جواب: لا يصدّنك.
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى} إنما سأله ليريه عظيم ما يفعله في العصا من قلبها حية، فمعنى السؤال تقرير أنها عصا؛ فيتبين له الفرق بين حالها قبل أن يقلبها، وبعد أن قلبها، وقيل: إنما سأله ليؤنسه ويبسطه بالكلام.
{وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي} معناه أضرب بها الشجر لينتشر الورق للغنم {مَآرِبُ} أي حوائج.
{حَيَّةٌ تسعى} أي تمشي {سِيَرتَهَا الأولى} يعني أنه لما أخذها عادت كما كانت أول مرة، وانتصب {سِيَرتَهَا} على أنه ظرف أو مفعول بإسقاط حرف الجر.
{واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} الجناح هنا الجنب أي تحت الإبط، وهو استعارة من جناح الطائر {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ} روي أن يده خرجت وهي بيضاء كالشمس {مِنْ غَيْرِ سواء} يريد من غير برص ولا عاهة.
{لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الكبرى} يحتمل أن تكون {الكبرى} مفعول {لِنُرِيَكَ}، وأن تكون صفة للآيات ويختلف المعنى على ذلك.
{اشرح لِي صَدْرِي} إن قيل: لم قال: {اشرح لِي} {وَيَسِّرْ لي}، مع أن المعنى يصح دون قوله: {لي}؟ فالجواب: أن ذلك تأكيد وتحقيق للرغبة {واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي} العقدة هي التي اعترته بالجمرة حين جعلها في فيه وهو صغير، حين أراد فرعون أن يجرّبه، وإنما قال: {عُقْدَةً} بالتنكير لأنه طلب حلَّ بعضها ليفقهوا قوله، ولم يطلب الفصاحة الكاملة.
{وَزِيرًا} أي معينًا، وإعراب هارون بدل أو مفعول أول.
{أَزْرِي} أي ظهري والمراد القوة ومنه: فآزره أي قوّاه.
{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ} أي قد أعطيناك كل ما طلبت من الأشياء المذكورة.
{إِذْ أَوْحَيْنَآ إلى أُمِّكَ} يحتمل أن يكون وحي كلام بواسطة ملك، أو وحي إلهام كقوله: {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} [النحل: 67] {مَا يوحى} إبهام يراد به تعظيم الأمر.
{أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم} الضمير الأول لموسى، والثاني للتابوت أو لموسى {اليم} البحر، والمراد به هنا النيل، وكان فرعون قد ذُكر له أن هلاكه وخراب ملكه على يد غلام من بني إسرائيل، فأمر بذبح كل ولد ذكر يولد لهم، فأوحى الله إلى أم موسى أن تلقيه في التابوت وتلقي التابوت في البحر ففعلت ذلك، وكان فرعون في موضع يشرف على النيل، فرأى التابوت فأمر به فسيق، إليه وامرأته معه ففتحه فأشفقت عليه امرأته، وطلب أن تتخذه ولدًا فأباح لها ذلك {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ} هو فرعون {مَحَبَّةً مِّنِّي} أي أحببتك، وقيل: أراد محبة الناس فيه إذ كان لا يراه أحد إلا أحبه، وقيل: أراد محبة امرأة فرعون ورحمتها له، وقوله: {مِّنِّي}: يحتمل أن يتعلق بقوله: {وَأَلْقَيْتُ}، أو يكون صفة لمحبة فيتعلق بمحذوف {وَلِتُصْنَعَ على عيني} أي تربي ويحسن إليك بمرأى مني وحفظ، والعامل في {وَلِتُصْنَعَ} محذوف.
{إِذْ تمشي أُخْتُكَ} العامل في إذ تصنع أو ألقيت، أو فعل مضمر تقديره ومننا عليك {فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ على مَن يَكْفُلُهُ} كان لا يقبل ثدي امرأة فطلبوا له مرضعة، فقالت أخته ذلك ليرد إلى أمه {وَقَتَلْتَ نَفْسًا} يعني القبطي الذي وكزه فقضى عليه {فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغم} يعني الخوف من أن يطلب بثأر المقتول {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} أي اختبرناك اختبارًا حتى ظهر منك أنك تصلح للنبوة والرسالة، وقيل: خلصناك من محنة بعد محنة، لأن خلصه من الذبح ثم من البحر، ثم من القصاص بالقتل، والفتون: يحتمل أن يكون مصدرًا أو جمع فتنة {فَلَبِثْتَ سِنِينَ} يعني الأعوام العشرة التي استأجره فيها شعيب {جِئْتَ على قَدَرٍ} أي بميقات محدود قدره الله لنبوتك.
{واصطنعتك لِنَفْسِي} عبارة عن الكرامة والتقريب أي استخلصتك وجعلتك موضع صنيعتي وإحساني.
{وَلاَ تَنِيَا} أي لا تضعفا ولا تقصرا، والوني هو الضعف عن الأمور والتقصير فيها.
{أَن يَفْرُطَ} أي يعمل بالشر.
{فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ} أي سرحهم، وكانوا تحت يد فرعون وقومه، وكانت رسالة موسى إلى فرعون بالإيمان بالله وتسريح بني إسرائيل {وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ} كان يعذبهم بذبح أبنائهم وتسخيرهم في خدمته وإذلالهم.
{قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ} يعني قلب العصا حية وإخراج اليد بيضاء، وإنما وحدَّهما وهما آيتان، لأنه أراد إقامة البرهان وهو معنى واحد، {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} يحتمل أن يريد التحية أو السلامة.
{قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى} أفرد موسى بالنداء بعد جمعه مع أخيه، لأنه الأصل في النبوة وأخوة تابع له.
{الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ} المعنى أن الله أعطى خلْقه كل شيء يحتاجون إليه، فخلقه على هذا بمعنى المخلوقين، وإعرابه مفعول أول، وكل شيء مفعول ثان، وقيل: المعنى أعطى كل شيء خلقته وصورته: أي أكمل ذلك وأتقنه، فالخلق على هذا بمعنى الخلقة وإعرابه مفعول ثان، وكل شيء مفعول أول والمعنى الأول أحسن {ثُمَّ هدى} أي هدى خلقه إلى التوصل لما أعطاهم، وعلمهم كيف ينتفعون به.
{قَالَ فَمَا بَالُ القرون الأولى} يحتمل أن يكون سؤاله عن القرون الأولى محاجة ومناقضة لموسى: أي ما بالها لم تبعث كما يزعم موسى؟ أو ما بالها لم تكن على دين موسى أو ما بالها كذبت ولم يصبها عذاب كما زعم موسى في قوله: {أَنَّ العذاب على مَن كَذَّبَ وتولى} [طه: 48]، ويحتمل أن يكون قال ذلك قطعًا للكلام الأول، ورَوَغانًا عنه وحيرة لما رأى أنه مغلوب بالحجة ولذلك أضرب موسى عن الكلام في شأنها، فقال: {عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي}، ثم عاد إلى وصف الله رجوعًا إلى الكلام الأول {فِي كِتَابٍ} يعني اللوح المحفوظ.
{الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْدًا} أي فراشًا، وانظر كيف وصف موسى ربه تعالى بأوصاف لا يمكن فرعون أن يتصف بها، لا على وجه الحقيقة ولا على وجه المجاز، ولو قال له هو القادر أو الرازق وشبه ذلك لأمكن فرعون أن يغالطه ويدعي ذلك لنفسه {وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} أي نهج لكم فيها طرقًا تمشون فيها {فَأَخْرَجْنَا} يحتمل أن يكون من كلام موسى على تقدير يقول الله عز وجل: {فَأَخْرَجْنَا}، ويحتمل أن يكون كلام موسى ثم عند قوله: {وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً} ثم ابتدأ كلام الله.
{فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شتى} أي أصنافًا مختلفة.
{كُلُواْ وارعوا أَنْعَامَكُمْ} المعنى أنها تصلح لأن تؤكل وترعاها الأنعام، وعبر عن ذلك بصيغة الأمر؛ لأنه أذن في ذلك فكأنه أمر به {لأُوْلِي النهى} أي العقول واحدها نهية.
{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} الضمير للأرض يريد خلقه آدم من تراب {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} يعني بالدفن عند الموت {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ} يعني عند البعث. اهـ.